من أجل مسار اندماجي عربي جديد

حضرت منذ أسابيع بالعاصمة الرواندية كيغالي منتدى القيادة الأفريقية مرافقا للرئيس التونسي السابق الدكتور محمود المنصف المرزوقي. وقد سبق أن حضرت معه قبل سنة الدورة الماضية للحدث في مدينة جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا.

والمنتدى المذكور مناسبة سنوية مرموقة أصبح لها صدى كبير في الأوساط الرسمية وشبه الرسمية الأفريقية، باعتبارها تجمع عددا من الرؤساء الأفارقة السابقين الذين وصلوا للحكم ديمقراطيا وغادروه ديمقراطيا مع عدد من أفضل الكفاءات الأفريقية في مجالات العمل الأفريقي المشترك وفي المنظمات الإقليمية والدولية بالإضافة للخبراء وكبار الأساتذة الجامعيين والمسؤولين الحكوميين السابقين والحاليين ورجال أعمال ومستثمرين وكفاءات شبابية وطلابية من عدد من دول أفريقيا.

1- تجربة منتدى القيادة الأفريقية
هذا المنتدى هو اليوم أهم مبادرة أفريقية لتجميع عدد من القادة السابقين لدول القارة بشكل سنوي للاستفادة من حكمتهم وتجربتهم، ولفتح نقاش وتفاعل بينهم وبين عدد من القادة الحاليين والمستقبليين حول التحديات الإستراتيجية التي تواجه القارة الأفريقية.

هذا المنتدى ينظمه سنويا “معهد القيادة الأفريقية من أجل التنمية المستديمة” المعروف باسم “معهد يونغوزي”. و”يونغوزي” تعني مصطلح “القيادة” باللغة السواحلية. وتحتضن دولة تنزانيا هذا المعهد الذي يحظى بتمويل تنزاني فنلندي مشترك. ويرأسه رئيس الجمهورية التنزانية السابق “بنيامين مكابا”.

وبالإضافة للمنتدى السنوي للقيادة، الذي أنجز هذه السنة دورته الخامسة، ينظم المعهد منتديات سياسية وحلقات نقاش عالية المستوى بخصوص القضايا الدولية والوطنية المتعلقة بالتنمية المستدامة والقيادة. كما ينظم دورات تكوينية في مجالات القيادة شملت أكثر من 1500 قائد إستراتيجي وميداني من القطاعين العام والخاص ومن منظمات المجتمع المدني من عدد من دول شرق أفريقيا أساسا. وينظم كذلك ندوات وأنشطة مشتركة في إطار الشراكة مع المؤسسات الدولية المهتمة بالقيادة والتنمية مثل “نادي مدريد“، ومؤسسة “شاتام هاوس”، ومؤسسة “بي أم دبليو”، ومع بعض البرامج الدولية المتخصصة مثل “منصة النمو الأخضر” وغيرها.

ويحضر سنويا في المنتدى أغلب الرؤساء السابقين الآتية أسماؤهم: بنيامين مباكا (تنزانيا 1995-2005)، تابو مبيكي (جنوب أفريقيا 1999-2008)، جوهاكيم شيسانو (الموزمبيق 1986-2005)، أوليسنغو أوباسنجو (نيجيريا 1999-2007)، أرميندو جيبوزا (الموزمبيق 2005-2015)، محمد المنصف المرزوقي (تونس 2011-2014)، حسن الشيخ محمود (الصومال 2012-2017)، فيستوس موجاي (بوتسوانا 1998-2008)، هيفيكيبوني بوهامبا (ناميبيا 2005-2015)، جيري راولينجز (غانا 1981-2001)، باكيلي مولوزي (المالاوي 1994-2011). بالإضافة للرؤساء السابقين لمنظمات إقليمية ودولية: مثل سليم أحمد سليم (الأمين العام السابق للاتحاد الأفريقي)، وموكيشا كيتوي (الأمين العام السابق لندوة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية).. وغيرهم.

وكانت محاور منتدى القيادة الأفريقية منذ بدايتها كالتالي:
– 2014 تحديات التحول في أفريقيا.
– 2015 التقدم نحو أفريقيا مندمجة – ماذا يجب فعله؟
– 2016 من أجل تمكين المؤسسات الأفريقية بهدف تغيير القارة.
– 2017 الأمن والسلام من أجل أفريقيا مندمجة وموحدة ومستدامة.
– 2018 تمويل التحول الأفريقي نحو التنمية المستدامة.

2- تطور العمل الأفريقي المشترك
لا يعتبر النجاح المتزايد والصدى السريع لهذه المبادرة الأفريقية لإرساء بيت حكمة عالي المستوى مفاجأة، بالنظر للخطوات المهمة التي تتحقق بشكل سريع في مجال العمل الأفريقي المشترك، ولقناعة الأفارقة المترسخة في زيادة مستوى الاندماج القاري؛ حيث شهدت أفريقيا تطورا سريعا في عمل مؤسسات العمل المشترك منذ قرار تحويل “منظمة الوحدة الأفريقية” إلى “الاتحاد الأفريقي” سنة 2003. وما تلا ذلك من خطوات اندماجية قارية أو جهوية أدت إلى تأسيس أو تعزيز 14 تجمعا جهويا أبرزها المجموعة الاقتصادية لدول أفريقيا الغربية (ECOWAS) ومجموعة شرق أفريقيا (EAC) التي تخطط لإقامة دولة “اتحاد شرق أفريقيا” و”مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية (SADC) والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا(COMESA).. الخ.

ونجح “الاتحاد الأفريقي” سريعا في وضع أُطر قارية اندماجية في مجالات عديدة، مثل “برنامج تنمية الفلاحة الأفريقية”، و”برنامج تنمية البنى التحتية في أفريقيا “، و”الإستراتيجية الأفريقية للعلوم والتكنولوجيا والتجديد 2024″، و”برنامج العمل من أجل التنمية الصناعية السريعة في أفريقيا”.. الخ.

كما نشأت سريعا في ظل هذه المناخات مؤسسات اندماجية في مجالات شتى لعل من أنشطها منظمة توحيد قانون الأعمال بأفريقيا، وجمعية المؤسسات الأفريقية لتمويل التنمية، وغيرها.